تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق الذي نشر في نفس وقت تسليمه لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في 23 نوفمبر 2011 يمكن تحميله بالكامل من الصفحة الرئيسة للموقع.

خطاب الاستاذ محمود شريف بسيوني في 23 نوفمبر 

التقرير المالي الختامي لللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق

24 11 2011

كلمة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في 23 نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

أصحاب السمو والمعالي والسعادة ،

الأخ البروفسور محمود شريف بسيوني رئيس اللجنة ،

السادة أعضاء اللجنة ،

أيها الأخوة والأخوات ، ضيوفنا الكرام ..

     بعد استماعنا إلى هذا الخطاب الهام لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل لرئيس وأعضاء اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق وموظفيها على جهودهم الجليلة والتي نقدرها كثيراً ، لما لهذا التقرير من قيمة عظيمة ومكانة عالية في نفوسنا ، وإن شعب البحرين باستفادته من مرئياتكم وتوصياتكم سيجعل من هذا اليوم يوماً تاريخياً في حياة الوطن.

     إن تقريركم هذا يغطي مسائل خلافية هامة . ولقد سعيتم للوصول إلى حقائق تتعلق بفترة صعبة آلمتنا جميعاً . وعرفتم التحديات الغير مسبوقة التي واجهتها الجهات الرسمية ، والاستفزازات العدائية المتواصلة من مختلف الجهات ، داخل وخارج البلاد . وقدرتم مسؤوليتها في إعادة بسط النظام وسلطة القانون في مواجهة العنف وأساليب الترويع ضد المواطنين وضد المؤسسات الحيوية في الدولة . وفي نفس الوقت وجدتم تقصيراً حقيقياً من جانب بعض الأجهزة الحكومية . وبالأخص في عدم منع حالات من التعامل الأمني المفرط وسوء معاملة الأشخاص قيد الاحتجاز من قبل البعض .

     وإن تسائل البعض عن سبب طلبنا لجنة من الخبراء من خارج البلاد للنظر في مجريات أحداث شهري فبراير ومارس 2011 ، وما نجم عنها من تداعيات لاحقة ، فإن جوابنا هو أن أية حكومة لديها الرغبة الصادقة في الإصلاح والتقدم ، يجب أن تعي الفائدة من النقد الموضوعي الهادف والبناء.

     وفي عالمنا اليوم نرى أمثلة كثيرة ففي أوروبا نرى بلدان رئيسية اعتادت حكوماتها على التعرض للانتقاد من مؤسسات خارجية أسهمت هي نفسها في إنشائها . فمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية تعاقب دول أوروبية حين تنتهك حقوق الإنسان ، فالعديد من الدول الأوروبية   الكبرى ، وبالرغم من تاريخها العريق في مجال حقوق الإنسان ، أدينت بالفعل في قضايا متعلقة بالحرمان من العدالة ، وقضايا سوء معاملة بل وتعذيب المحتجزين .

      ولكن تلك الدول لا تشجب ولا تستنكر المحكمة الأوروبية .  ولا تحتج أو تقاطع القضاة الذين انتقدوها . بل العكس ، فقد أبدت امتنانها للمحكمة على تبيان السبل التي تمكنهم من الإصلاح والتطوير إن أرادوا الانسجام والتوافق مع القانون الدولي والمبادئ الأخلاقية السامية . وبالإضافة إلى ذلك، فإن المجتمع الدولي لم يعتبر تلك الحكومات ظالمة مستبدة . فالخلاصة هنا أنهم ينتهجون الحكمة ، ويقدرون النتائج التي سيجنونها من التحقيق المحايد. مبدين الثقة في قدرتهم على استخدام النقد الجاد لمصلحة شعوبهم .

      فالسؤال هنا ، السادة أعضاء اللجنة ، هو كيف سنتعامل مع تقريركم هذا لنحقق منه الفائدة القصوى؟

     فإجابة السؤال : إننا عاقدون العزم ، بإذن الله تعالى ، على ضمان عدم تكرار الأحداث المؤلمة التي مر بها وطننا العزيز . بل سنتعلم منها الدروس والعبر ، بما يعيننا ويحفزنا للتغيير والتطوير الإيجابي .

      إننا لا نريد أن يتكرر أبداً .. أن نرى بلادنا يشلها الترويع والتخريب . ولا نريد أن يتكرر أبداً .. أن نسمع أن القوى العاملة الأجنبية التي تسهم بكل إخلاص في بناء وطننا قد تعرضت وبشكل متكرر للإرهاب من قبل عصابات عنصرية . ولا نريد أن يتكرر أبداً .. أن نرى المواطنين المدنيين يحاكمون في غير المحاكم العادية . ولا نريد أن يتكرر أبداً .. أن يقتل رجال الأمن وأن تضطهد عائلاتهم جزاء التزامهم بحماية أمننا جميعاً . ولا نريد أن يتكرر أبداً .. أن تبدر من أي من أفراد الأمن سوء معاملة لأي أحد.

     وعليه يتوجب علينا إصلاح قوانيننا لتتماشى مع المعايير الدولية ، تلك التي تلتزم بها مملكة البحرين حسب الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها، وحتى قبل استلامنا لتقريركم ، فقد بادرنا بتقديم مقترحات لتعديل قوانيننا لتوفير حماية أكبر للحق الأصيل في حرية التعبير ، وتوسيع مفهوم التعذيب لضمان تغطية قوانيننا الجنائية لجميع أنواع سوء المعاملة حتى تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان . كما نظرنا في مسائل الخطوات والإجراءات القانونية في المحاكمات الجنائية ، وبالاخص في قضية الكادر الطبي التي يتم إعادة النظر فيها في المحاكم العادية . ونظرنا ولازلنا ننظر في موضوع المفصولين من أعمالهم ومن المؤسسات التعليمية . إضافة لكل ذلك فإنه سيتمكن أي متضرر من الاستفادة، من بين عدة أمور ،  من صندوق تعويض المتضررين الذي صدر قانوناً بإنشائه مؤخرا.

       وحيث أننا أوضحنا لكم يوم إنشاء اللجنة ، بأننا لن نتسامح ولن نتساهل مع سوء معاملة الموقوفين والسجناء ، فإنه يؤسفنا ويؤلمنا معرفة أن ذلك قد حدث بالفعل للبعض حسب ما ورد في تقريركم . مؤكدين بأننا لن نضع أي عذر يقوم على خصوصية وطنية تستثنينا عن الغير .

السادة أعضاء اللجنة ،

      إن تقريركم مسهب ومفصل . ويتوجب علينا أن ندرسه بكل عناية يستحقها . وكخطوة أولى سنأمر في الحال بتشكيل فريق عمل من أعضاء حكومتنا لدراسة توصياتكم ونتائج تحقيقكم بكل عناية وتبصر . وسيقوم هذا الفريق بتقديم ، وبصورة عاجلة ، استجابات جادة لتوصياتكم. ولن يفوتنا أي وقت لا نستفيد فيه من ما قدمتموه من توصيات . ونؤكد لكم بأن تقريركم هذا يمنح بلادنا فرصة تاريخية للتعامل مع أهم المسائل وأشدها إلحاحاً . فالمسئولون الذين لم يقوموا بواجبهم سيكونون عرضة للمحاسبة والاستبدال. وفوق ذلك كله سنضع وننفذ الإصلاحات التي سترضي كافة أطياف مجتمعنا. وهذا هو الطريق الوحيد لتحقيق التوافق الوطني ومعالجة الشروخ التي أصابت مجتمعنا . ولضمان عدم العودة إلى الممارسات المرفوضة بعد انتهاء عمل لجنتكم الموقرة ،  فقد قررنا إشراك المنظمات الدولية المختصة والأشخاص البارزين لمساندة أجهزتنا الأمنية ومسؤوليها لتحسين إجراءاتهم.

     إننا لعلى ثقة بوعينا جميعاً بأن هذا اليوم ، يوم الصفحة الجديدة في تاريخنا، قد تحقق بفضل الله عز وجل وثقتنا في الاحتكام إلى هيئة نهجها الموضوعية والحياد . وكما ذكرنا من قبل فإن دول أوروبا اعتادت التعرض للمحاسبة من قبل المحكمة الأوروبية في ستراسبورغ . وإن تلك المحكمة من خلال مئات الأحكام القضائية الصادرة عنها ، قد وضعت المعايير الدولية الحديثة لحقوق الإنسان . وذلك ينطبق أيضاً على محكمة الأمريكتين لحقوق الإنسان في كوستاريكا. فالعالم بأجمعه يستفيد من قوانين وتشريعات تلك المحاكم . وهذا يبين لنا بأن هناك شيء واضحاً ينقصنا . فأمتنا العربية التي ضربت أروع أمثال العدالة والإنصاف في تاريخها ، قادرة بلا شك على القيام بدورها في هذا المجال . فيجب أن نثبت بأن مسؤولينا مسائلون أمام قانون ومحكمة عليا. بما يؤكد بأننا أمة تحترم مبادئ حقوق الإنسان .

     إن مملكة البحرين كانت من أوائل الدول الداعمة للميثاق العربي لحقوق الإنسان قبل خمسة عشرة عاماً . ولكن رغم سمو المبادئ الواردة فيه ، إلا أنه لا يضمن نظام يشابه ما هو في أوروبا والأمريكتين . وفي هذا المجال فإننا نهيب بالدول العربية الشقيقة أن تمضي قدماً ، وبكل عزم ، لإنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان ، تأخذ مكانتها الحقيقية على الساحة الدولية .

     إن مملكة البحرين تتحمل مسؤولياتها الدولية بكل أمانة بل وتبادر في المشاركة في العمل الجماعي الدولي بتوفير كافة التسهيلات للمنظمات الدولية . ففي عام 2009 وأثناء زيارة السيد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة . خصصنا أرضاً رئيسية في العاصمة المنامة لتكون مقراً للمكاتب والأفرع الإقليمية للأمم المتحدة . كمكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وغيره . وقد يكون من المفيد وعلى المثال إنشاء فرع إقليمي لمكتب الأمم المتحدة لمحاربة المخدرات والجريمة .

     إن هذا التعاون في المجال الدولي لا يستبعد المجال الداخلي في مملكة البحرين ، فمنذ يومين أعلنا إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بما يجعلها كجهازاً مستقلاً لها نظامها الأساسي الخاص بها وتعمل حسب مبادئ باريس، التي تجسد المعايير الدولية لحقوق الإنسان المعنية بأساليب عمل المؤسسات الوطنية .

     وفيما يتعلق بردود حكومتنا على النتائج والتوصيات الواردة في تقريركم ، فإننا نكرر بأن هذه مواضيع أساسية يتوجب التعامل معها بعجل وبدون أي تأخير .

     ولا يفوتنا في هذا المجال أن نتوجه بالشكر إلى رجال قواتنا المسلحة ومؤسساتنا الأمنية الذين أعادوا الأمن والاستقرار في وجه أعمال العنف والاستفزاز . ولأشقائنا في دول مجلس التعاون لمساهمتهم في حماية منشآتنا الحيوية من خلال قوات درع الجزيرة  دون التعرض للمواطنين. وإلى الشعب البحريني الأصيل الذي وقف في وجه العنف والانقسام الطائفي .

 إننا نتعاطف مع جميع من طالب ، وبكل أمانة وسلم ، بالإصلاح ضمن مجتمع تعددي تُحترم فيه حقوق الجميع . وليس مع الذين يحاولون فرض نظام شمولي . إن رغبتنا في الإصلاح المنفتح قد زامنها أسف عميق، فحين مددنا يد الأخوة الإسلامية للجمهورية الإسلامية الإيرانية ، رأينا في المقابل هجمة إعلامية شرسة في القنوات الإعلامية الرسمية الإيرانية تحرّض أبناء وطننا على التخريب وارتكاب أعمال العنف ، مما أسهم في إذكاء نار الطائفية. وهو تدخل سافر لا يحتمل في شؤوننا الداخلية أدى إلى معاناة كبيرة لشعبنا ووطننا . وكما ذكرت بكل صواب ، السيد رئيس اللجنة، فان حكومة البحرين ليست في وضع يمكنها من تقديم أدلة على الصلات بين إيران وأحداث معينة في بلدنا هذا العام. ولكن هذه الهجمة الإعلامية، وهي حقيقة موضوعية يلاحظها كل من يفهم اللغة العربية ، تشكل تحديا مباشرا ليس فقط لاستقرار وسيادة وطننا فحسب بل تهديداً لأمن واستقرار كافة دول مجلس التعاون . ونأمل من القيادة الإيرانية أن تعيد النظر في مواقفها بترك السياسات التي تؤدي إلى العداء والفرقة .

     وبعد أن  أكدنا التزامنا بضمان أمن وسلامة الوطن والمواطنين ، والتزامنا بالإصلاح ومعالجة  الأخطاء بكل شفافية ، فإننا نُهيب بالجميع أن يراجعوا أنفسهم ، وأن يعالجوا  أخطاءهم ، وأن يقوموا بدورهم الوطني المطلوب في إعادة اللحمة الوطنية ضمن مجتمع  متسامح. حيث أن هدفنا الأسمى بعد مرضاة الله عز وجل ، هو نشر التآخي والوئام  والتسامح بين جميع أبناء شعبنا العزيز ، في بيئة مجتمع تعددي متماسك ومزدهر ،  مجتمع يضمن سيادة القانون وحقوق الجميع ، مجتمع يوفر الفرص لجميع أبنائه ، ويشيع  الطمأنينة في نفوس الجميع .

     ونشكركم  جميعاً على حضوركم معنا في هذا اليوم التاريخي لوطننا العزيز .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .